الرياضة البدنية عند نور الدين
كان نور الدين يمارس الرياضة، ولكن هذه الرياضة التي كانت عند نور الدين ليست للتحدير، أو لتفريق الأمة وتمزيقها والتشتيت حتى بين الزوجين.
لا! إنها رياضة من نوع خاص، ومع ذلك انتقد فيها وأجاب عنها رحمه الله، يقول عنه سبط ابن الجوزي: "لم يلبس نور الدين حريراً ولا ذهباً، ومنع الخمر في بلاده، وكان كثير الصوم، وله أورادٌ في الليل والنهار، ويكثر اللعب بالكرة".
بل ومن العجائب أن ابناً لـنور الدين رحمه الله توفي وعمره أقل من عشرين سنة بسبب مرض أصابه يسمى (القولنج)، فأصر عليه الأطباء أن يشرب الخمر، وقالوا: لا علاج لك إلا أن تشرب الخمر، فقال: والله لا أشربها، وأبى أن يشربها ويعصي الله.
فجاءوا له بفقيهين: أحدهما شافعي والآخر مالكي، وقالا له: لا بأس أن تشربها -ضرورة- فأقسم أنه لا يعصي الله سبحانه وتعالى، ولا يموت وفي جوفه شيءٌ مما حرم الله، وتوفي رحمه الله.
هذا ابن نور الدين، وكذلك كان أبوه.
ومع هذه السيرة كان يكثر اللعب بالكرة، وكانت هذه الكرة نوعاً من أنواع الرياضة تشبه (الجولف)، عبارة عن كرة ترمى ويستقبلها اللاعبون بصولجان وما أشبه ذلك، كانوا يستخدمون فيها الخيول ويلعبون بها.
وكان نور الدين محمود رحمه الله يركب الفرس هو وجيشه ويلعبون هذه الكرة، فلما أنكر عليه ذلك، قال: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر، فربما وقع الصوت -ربما نادى المنادي للجهاد- فتكون الخيل قد أدمنت الانعطاف والكر والفر، أي: نكون مستعدين للجهاد، وهذا اللهو هو من الحق كما ذكر صلى الله عليه وسلم: أن {كل لهو يلهو به المرء باطل إلا ثلاثة} ومنها: أن يكون الإنسان ملاعباً فرسه ليجاهد في سبيل الله عز وجل.
حتى إن ابن كثير رحمه الله يثني على قوته، يقول -نقلاً عن ابن واصل-: كان من أقوى الناس قلباً وبدناً، لم ير على ظهر فرسٍ أحدٌ أشد منه، كأنما خلق عليه لا يتحرك، وكان من أحسن الناس لعباً بالكرة، يجري الفرس ويخطفها من الهواء، ويرميها بيده إلى آخر الميدان، ويمسك الجوكان بكمه تهاوناً بأمره، وكان يقول: طالما تعرضت للشهادة فلم أدركها".. يتأسف على ذلك!
قال الذهبي رحمه الله: "قلت: قد أدركها على فراشه، وعلى ألسنة الناس نور الدين الشهيد"، لأن اسمه نور الدين الشهيد في التاريخ، مع أنه مات على فراشه، فيقول الذهبي رحمه الله تعالى: "فلعل هذا إن شاء الله فألٌ حسن له"، وقد أدركها على فراشه بتمنيها وبالسعي إليها؛ لأن {من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه} كما أخبر صلى الله عليه وسلم، فهو قد تمنى الشهادة في سبيل الله فأعطيها.